كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} ويقرأ: {لقضى إليهم أجلهم}. ومثله: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} و{قضى عليها الموت}.
وقوله: {مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ} (12) يقول: استمرّ على طريقته الأولى قبل أن يصيبه البلاء.
وقوله: {قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ} (16) وقد ذكر عن الحسن أنه قال: «ولا أدرأتكم به» فإن يكن فيها لغة سوى دريت وأدريت فلعلّ الحسن ذهب إليها. وأمّا أن تصلح من دريت أو أدريت فلا لأن الياء والواو إذا انفتح ما قبلهما وسكنتا صحّتا ولم تنقلبا إلى ألف مثل قضيت ودعوت.
ولعل الحسن ذهب إلى طبيعته وفصاحته فهمزها لأنها تضارع درأت الحدّ وشبهه.
وربما غلطت العرب في الحرف إذا ضارعه آخر من الهمز فيهمزون غير المهموز سمعت امرأة من طيئ تقول: رثأت زوجى بأبيات. ويقولون لبّأت بالحج وحلّأت السويق فيغلطون لأن حلّأت قد يقال في دفع العطاش من الإبل، ولّبأت ذهب إلى اللبأ الذي يؤكل، ورثأت زوجى ذهبت إلى رثيئة اللبن وذلك إذا حلبت الحليب على الرائب.
وقوله: {وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ} (21) العرب تجعل (إذا) تكفى من فعلت وفعلوا. وهذا الموضع من ذلك:
اكتفى بـ (إذا) من (فعلوا) ولو قيل (من بعد ضراء مستهم مكروا) كان صوابا.
وهو في الكلام والقرآن كثير. وتقول: خرجت فإذا أنا بزيد. وكذلك يفعلون بـ (إذ) كقول الشاعر:
بينما هنّ بالأراك معا ** إذ أتى راكب على جمله

وأكثر الكلام في هذا الموضع أن تطرح (إذ) فيقال:
بينا تبغيه العشاء وطوفه ** وقع العشاء به على سرحان

ومعناهما واحد بـ (إذ) وبطرحها.
وقوله: {الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ} (22) قراءة العامّة. وقد ذكر عن زيد بن ثابت {ينشركم} قرأها أبو جعفر المدنىّ كذلك. وكلّ صواب إن شاء اللّه.
وقوله: {جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ} يعنى الفلك فقال: جاءتها، وقد قال في أوّل الكلام {وَجَرَيْنَ بِهِمْ} ولم يقل: وجرت، وكلّ صواب تقول: النساء قد ذهبت، وذهبن. والفلك تؤنث وتذكر، وتكون واحدة وتكون جمعا.
وقال في يس: {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} فذكّر الفلك، وقال هاهنا: جاءتها، فأنث.
فإن شئت جعلتها هاهنا واحدة، وإن شئت: جماعا. وإن شئت جعلت الهاء في {جاءتها} للريح كأنك قلت: جاءت الريح الطيّبة ريح عاصف. واللّه أعلم بصوابه. والعرب تقول: عاصف وعاصفة، وقد أعصفت الريح، وعصفت.
وبالألف لغة لبنى أسد أنشدنى بعض بنى دبير:
حتى إذا أعصفت ريح مزعزعة ** فيها قطار ورعد صوته زجل

وزجل: مصوّت.
وقوله: {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ} (23) إن شئت جعلت خبر (البغي) في قوله: {على أنفسكم} ثم تنصب {متاع الحياة الدنيا} كقولك: متعة في الحياة الدنيا. ويصلح الرفع هاهنا على الاستئناف كما قال: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ} أي ذلك {بلاغ} وذلك {متاع الحياة الدنيا} وإن شئت جعلت الخبر في المتاع. وهو وجه الكلام.
وقوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى} (26) في موضع رفع. يقال إن الحسنى الحسنة. {وزيادة} حدّثنا محمد قال حدّثنا الفرّاء قال حدثنى أبو الأحوص سلّام بن سليم عن أبى إسحاق السبيعىّ عن رجل عن أبى بكر الصدّيق رحمه اللّه قال: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}: النظر إلى وجه الرب تبارك وتعالى. ويقال: {للذين أحسنوا الحسنى} يريد حسنة مثل حسناتهم {وزيادة} زيادة التضعيف كقوله: {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها}.
وقوله: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها} (27) رفعت الجزاء بإضمار (لهم) كأنك قلت: فلهم جزاء السيئة بمثلها كما قال: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ} و{فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ}، والمعنى: فعليه صيام ثلاثة أيام، وعليه فدية. وإن شئت رفعت الجزاء بالباء في قوله: {جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها} والأوّل أعجب إلىّ.
وقوله: {كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا} و{قطعا}. والقطع قراءة العامّة.
وهى في مصحف أبى كأنما يغشى وجوههم قطع من الليل مظلم فهذه حجة لمن قرأ بالتخفيف. وإن شئت جعلت المظلم وأنت تقول قطع قطعا من الليل، وإن شئت جعلت المظلم نعتا للقطع، فإذا قلت قطعا كان قطعا من الليل خاصة.
والقطع ظلمة آخر الليل {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ}.
وقوله: {فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ} (28) ليست من زلت إنما هي من زلت ذا من ذا: إذا فرّقت أنت ذا من ذا.
وقال: {فَزَيَّلْنا} لكثرة الفعل. ولو قلّ لقلت: زل ذا من ذا كقولك: مز ذا من ذا.
وقرأ بعضهم فزايلنا بينهم وهو مثل قوله: {يُراؤُنَ} ويرءّون {وَلا تُصَعِّرْ}، ولا تصاعر والعرب تكاد توفّق بين فاعلت وفعّلت في كثير من الكلام، ما لم ترد فعلت بي وفعلت بك، فإذا أرادوا هذا لم تكن إلا فاعلت. فإذا أردت: عاهدتك وراءيتك وما يكون الفعل فيه مفردا فهو الذي يحتمل فعلت وفاعلت. كذلك يقولون: كالمت فلانا وكلّمته، وكانا متصارمين فصارا يتكالمان ويتكلّمان.
وقوله: {هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ} (30) قرأها عبد اللّه بن مسعود: {تتلو} بالتاء. معناها- واللّه أعلم-: تتلو أي تقرأ كلّ نفس عملها في كتاب كقوله: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتابًا يَلْقاهُ مَنْشُورًا} وقوله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ}. وقوله: {اقْرَأْ كِتابَكَ} قوّة لقراءة عبد اللّه.
وقرأها مجاهد {تبلو كل نفس ما أسلفت} أي تخبره وتراه. وكلّ حسن. حدّثنا محمد قال حدّثنى الفرّاء قال حدّثنا محمد بن عبد العزيز التيمي عن مغيرة عن مجاهد أنه قرأ {تبلو} بالباء. وقال الفرّاء: حدّثنى بعض المشيخة عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عباس: {تبلو} تخبر، وكذلك قرأها ابن عباس.
وقوله: {وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} {الحقّ} تجعله من صفات اللّه تبارك وتعالى. وإن شئت جعلته نصبا تريد: ردّوا إلى اللّه حقا. وإن شئت:
مولاهم حقا.
وكذلك قوله: {فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ} (32) فيه ما في الأولى.
وقوله تعالى: {كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ (33)}. وقد يقرأ {كَلِمَةُ رَبِّكَ} و{كلمات ربك}. قراءة أهل المدينة على الجمع.
وقوله: {عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}: حقّت عليهم لأنهم لا يؤمنون، أو بأنهم لا يؤمنون، فيكون موضعها نصبا إذا ألقيت الخافض. ولو كسرت فقلت: «إنهم» كان صوابا على الابتداء. وكذلك قوله: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ} وكسرها أصحاب عبد اللّه على الابتداء.
وقوله: {أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى} (35) يقول: تعبدون ما لا يقدر على النقلة من مكانه، إلا أن يحوّل وتنقلوه.
وقوله: {وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى} (37) المعنى- واللّه أعلم-: ما كان ينبغى لمثل هذا القرآن أن يفترى. وهو في معنى: ما كان هذا القرآن ليفترى. ومثله: {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} أي ما كان ينبغى لهم أن ينفروا لأنهم قد كانوا نفروا كافّة، فدلّ المعنى على أنه لا ينبغى لهم أن يفعلوا مرّة أخرى. ومثله: {وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} أي ما ينبغى لنبىّ أن يغلّ، ولا يغل. فجاءت (أن) على معنى ينبغى كما قال: {ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} والمعنى: منعك، فأدخلت (أن) في {ما لك} إذ كان معناها: ما منعك. ويدلّ على أن معناهما واحد أنه قال له في موضع: {ما منعك}، وفى موضع (مالك) وقصّة إبليس واحدة.
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلكِنَّ النَّاسَ} (44) للعرب في (لكن) لغتان: تشديد النون وإسكانها. فمن شدّدها نصب بها الأسماء، ولم يلها فعل ولا يفعل. ومن خفّف نونها وأسكنها لم يعملها في شيء اسم ولا فعل، وكان الذي يعمل في الاسم الذي بعدها ما معه، ينصبه أو يرفعه أو يخفضه من ذلك قوله: {وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} {وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى} {وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا} رفعت هذه الأحرف بالأفاعيل التي بعدها. وأمّا قوله: {ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} فإنك أضمرت (كان) بعد (لكن) فنصبت بها، ولو رفعته على أن تضمر (هو): ولكن هو رسول اللّه كان صوابا. ومثله {وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} و{تصديق}. ومثله {ما كانَ حَدِيثًا يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} و{تصديق}.
فإذا ألقيت من (لكن) الواو التي في أوّلها آثرت العرب تخفيف نونها.
وإذا أدخلوا الواو آثروا تشديدها. وإنما فعلوا ذلك لأنها رجوع عمّا أصاب أوّل الكلام، فشبّهت ببل إذ كان رجوعا مثلها ألا ترى أنك تقول: لم يقم أخوك بل أبوك ثم تقول: لم يقم أخوك لكن أبوك، فتراهما بمعنى واحد، والواو لا تصلح في بل، فإذا قالوا (ولكن) فأدخلوا الواو تباعدت من (بل) إذ لم تصلح الواو في (بل)، فآثروا فيها تشديد النون، وجعلوا الواو كأنها واو دخلت لعطف لا لمعنى بل.
وإنما نصبت العرب بها إذا شدّدت نونها لأن أصلها: إنّ عبد اللّه قائم، فزيدت على (إن) لام وكاف فصارتا جميعا حرفا واحدا ألا ترى أن الشاعر قال:
ولكننى من حبّها لكميد

فلم تدخل اللام إلا لأن معناها إنّ.
وهى فيما وصلت به من أوّلها بمنزلة قول الشاعر:
لهنّك من عبسيّة لوسيمة ** على هنوات كاذب من يقولها

وصل (إنّ) هاهنا بلام وهاء كما وصلها ثمّ بلام وكاف. والحرف قد يوصل من أوّله وآخره. فمما وصل من أوله (هذا)، و(ها ذاك)، وصل بـ (ها) من أوّله. ومما وصل من آخره. قوله: {إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ}، وقوله: لتذهبن ولتجلسن. وصل من آخره بنون وب (ما). ونرى أن قول العرب: كم مالك، أنها (ما) وصلت من أولها بكاف، ثم إن الكلام كثر بـ (كم) حتى حذفت الألف من آخرها فسكنت ميمها كما قالوا: لم قلت ذاك؟ ومعناه: لم قلت ذاك، ولما قلت ذاك؟
قال الشاعر:
يا أبا الأسود لم أسلمتنى ** لهموم طارقات وذكر

وقال بعض العرب في كلامه وقيل له: منذكم قعد فلان؟ فقال: كمذ أخذت في حديثك، فردّه الكاف في (مذ) يدلّ على أن الكاف في (كم) زائدة. وإنهم ليقولون: كيف أصبحت، فيقول: كالخير، وكخير. وقيل لبعضهم: كيف تصنعون الأقط؟ فقال: كهيّن.
وقوله: {فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ} (46) (ثم) هاهنا عطف. ولو قيل: ثمّ اللّه شهيد على ما يفعلون. يريد: هنالك اللّه شهيد على ما يفعلون.
وقوله: {إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتًا أَوْ نَهارًا ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ} (50) إن شئت جعلت (ماذا) استفهاما محضا على جهة التعجّب كقوله: ويلهم ماذا أرادوا باستعجال العذاب؟! وإن شئت عظّمت أمر العذاب فقلت: بماذا استعجلوا! وموضعه رفع إذا جعلت الهاء راجعة عليه، وإن جعلت الهاء في (منه) للعذاب وجعلته في موضع نصب أوقعت عليه الاستعجال.
وقوله: {آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} (51) (الآن) حرف بنى على الألف واللام لم تخلع منه، وترك على مذهب الصفة لأنه صفة في المعنى واللفظ كما رأيتهم فعلوا في (الذي) و(الذين) فتركوهما على مذهب الأداة، والألف واللام لهما غير مفارقتين. ومثله قول الشاعر:
فإن الألاء يعلمونك منهم ** كعلمي مظّنّوك ما دمت أشعرا

فأدخل الألف واللام على (ألاء) ثم تركها مخفوضة في موضع النصب كما كانت قبل أن تدخلها الألف واللام. ومثله قوله:
وأنى حبست اليوم والأمس قبله ** ببابك حتى كادت الشمس تغرب

فأدخل الألف واللام على (أمس) ثم تركه مخفوضا على (جهته الأولى). ومثله قول الآخر:
تفقّأ فوقه القلع السواري ** وجنّ الخازباز به جنونا

فمثل (الآن) بأنها كانت منصوبة قبل أن تدخل عليها الألف واللام، ثم أدخلتهما فلم يغيراها. وأصل الآن إنما كان (أوان) حذفت منها الألف وغيّرت واوها إلى الألف كما قالوا في الراح: الرياح أنشدنى أبو القمقام الفقعسي:
كأن مكاكىّ الجواء غديّة ** نشاوى تساقوا بالرياح المفلفل

فجعل الرياح والأوان على جهة فعل ومرة على جهة فعال كما قالوا: زمن وزمان.
وإن شئت جعلت (الآن) أصلها من قولك: آن لك أن تفعل، أدخلت عليها الألف واللام، ثم تركتها على مذهب فعل فأتاها النصب من نصب فعل. وهو وجه جيّد كما قالوا: نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن قيل وقال وكثرة السؤال، فكانتا كالاسمين فهما منصوبتان. ولو خفضتا على أنهما أخرجنا من نيّة الفعل كان صوابا سمعت العرب تقول: من شبّ إلى دبّ بالفتح، ومن شبّ إلى دبّ يقول: مذ كان صغيرا إلى أن دبّ، وهو فعل.
وقوله: {وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ} (54) يعنى الرؤساء من المشركين، أسرّوها من سفلتهم الذين أضلّوهم، فأسرّوها أي أخفوها.
وقوله: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} (58) هذه قراءة العامة. وقد ذكر عن زيد بن ثابت أنه قرأ {فبذلك فلتفرحوا} أي يا أصحاب محمد، بالتاء.
وقوله: {هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}: يجمع الكفار. وقوّى قول زيد أنها في قراءة أبىّ {فبذلك فافرحوا} وهو البناء الذي خلق للأمر إذا واجهت به أو لم تواجه إلا أن العرب حذفت اللام من فعل المأمور المواجه لكثرة الأمر خاصّة في كلامهم فحذفوا اللام كما حذفوا التاء من الفعل. وأنت تعلم أن الجازم أو الناصب لا يقعان إلا على الفعل الذي أوّله الياء والتاء والنون والألف. فلما حذفت التاء ذهبت باللام وأحدثت الألف في قولك: اضرب وافرح لأن الضاد ساكنة فلم يستقم أن يستأنف بحرف ساكن، فأدخلوا ألفا خفيفة يقع بها الابتداء كما قال: {ادّاركوا}.